فصل: قال الغزنوي:

.قال الغزنوي:

ومن سورة بني إسرائيل:
1 {سُبْحانَ}: لا ينصرف، لأنّه علم لأحد معنيين: إمّا التبرئة والتنزيه، وإمّا التعجب.
{أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا} بمعنى بعض ليل على تقليل وقت الإسراء.
والإسراء في رواية أبي هريرة وحذيفة بن اليمان كان بنفسه في الانتباه، وفي رواية عائشة ومعاوية بروحه حال النّوم.
وأخرج عن معاوية رضي اللّه تعالى عنه أنه كان إذا سئل عن مسرى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: «كانت رؤيا من اللّه تعالى صادقة». قال ابن إسحاق: فلم ينكر ذلك من قولهما.
وعلق الحافظ ابن كثير على نقل ابن إسحاق بقوله: وقد توقف ابن إسحاق في ذلك، وجوز كلّا من الأمرين من حيث الجملة، ولكن الذي لا يشك فيه ولا يتمارى أنه كان يقظانا لا محالة لما تقدم، وليس مقتضى كلام عائشة رضي اللّه عنها- أن جسده صلى اللّه عليه وسلم ما فقد وإنما كان الإسراء بروحه أن يكون مناما كما فهمه ابن إسحاق، بل قد يكون وقع الإسراء بروحه حقيقة وهو يقظان لا نائم وركب البراق وجاء بيت المقدس وصعد السماوات وعاين ما عاين حقيقة ويقظة لا مناما. لعل هذا مراد عائشة أم المؤمنين رضي اللّه عنها، ومراد من تابعها على ذلك، لا ما فهمه ابن إسحاق من أنهم أرادوا بذلك المنام، واللّه أعلم. اهـ.
ينظر البداية والنهاية: (3/ 112، 113).
والحسن أوّل قوله: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ بالمعراج.
وقد رويت الروايتان بطرق صحيحة، فالأولى الجمع والقول بمعراجين: أحدهما في النّوم، والآخر في اليقظة.
وروي أنّ المشركين سألوه عن بيت المقدس وما رآه في طريقه فوصفه لهم شيئا فشيئا، وأخبرهم أنّه رأى في طريقه قعبا مغطى مملوء ماء فشرب منه، ثم غطّاه كما كان، ووصف لهم إبلا كانت في طريق الشّام يقدمها جمل أورق، فوجدوا الأمر كما وصف.
{أَلَّا تَتَّخِذُوا}: معناه الخبر لئلا يتخذوا.
{ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا}: أي: يا ذريّة.
{وَقَضَيْنا}: أعلمنا وأوحينا، كقوله: {وَقَضَيْنا إِلَيْهِ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ}.
{بَعَثْنا عَلَيْكُمْ}: خلّيناهم وإياكم، وكان أولئك هم العمالقة.
وقيل: إنّه بختنصّر، إذ كان أصحاب سليمان بن داود عرفوا من جهة أنبيائهم خراب الشّام ثم عودها إلى عمارتها، ولما وقفوا على قصد بختنصّر انجلوا عنها واعتصموا بمصر.
وأشار إليها ابن كثير في تفسيره: 5/ 44، ثم قال: وقد وردت في هذا آثار كثيرة إسرائيلية لم أر تطويل الكتاب بذكرها لأن منها ما هو موضوع، من وضع زنادقتهم، ومنها ما قد يحتمل أن يكون صحيحا، ونحن في غنية عنها، وللّه الحمد، وفيما قص اللّه تعالى علينا في كتابه غنية عما سواه من بقية الكتب قبله، ولم يحوجنا اللّه ولا رسوله إليهم، وقد أخبر اللّه تعالى أنهم لما بغوا وطغوا سلط عليهم عدوهم، فاستباح بيضتهم، وسلك خلال بيوتهم وأذلهم وقهرهم، جزاء وفاقا، وما ربك بظلام للعبيد، فإنهم كانوا قد تمردوا وقتلوا خلقا من الأنبياء والعلماء. اهـ.
فَجاسُوا: مشوا وترددوا، وقيل: عاثوا وأفسدوا.
{وَعْدُ الْآخِرَةِ}: {وعد} المرّة الآخرة.
{لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ}: أي: الموصوفون بالبأس يسوءوا ساداتكم.
{وَلِيُتَبِّرُوا}: يهلكوا ويخرّبوا.
{ما عَلَوْا}: ما وطئوا من الديار.
{حَصِيرًا}: محبسا.
{لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}: للحال التي هي أقوم وهي توحيد اللّه، والإيمان برسله، والعمل بطاع/br>{وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ}: يدعو على نفسه وولده غضبا، أو يطلب ما هو شرّ له ليعجّل الانتفاع.
{فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ}: هو السواد الذي في القمر.
مُبْصِرَةً: أهلها بصراء كمضعف لمن قومه ضعفاء.
{طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ}: عمله: فيكون في اللّزوم كالطوق للعنق، أو طائِرَهُ: كتابه الذي يطير إليه يوم القيامة.
{كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا}: شاهدا، وقيل: حاكما.
ولقد أنصفك من جعلك حسيبا على نفسك.
{وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً}: هذه الإرادة على مجاز المعلوم من عاقبة الأمر.
{أَمَرْنا متْرَفِيها}: أمرناهم على لسان رسولهم بالطاعة.
{فَفَسَقُوا}: خرجوا عن أمرنا، كقوله: أمرته فعصى، أو أمرنا: كثّرنا، أمره وآمره، وفي الحديث: «خير المال مهرة مأمورة».
{كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ}: أي: من أراد العاجلة ومن أراد الآخرة.
مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ: من رزقه.
{أُفّ}: معناه التكرّه والتضجّر.
{وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ}: لن لهما جانبك متذللا من مبالغتك في الرحمة لهما.
{وَلا تُبَذِّرْ}: لا تنفق في غير طاعة اللّه شيئا.
{إِخْوانَ الشَّياطِينِ}: قرناءهم في النّار، أو أتباعهم في آثارهم.
{وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ}: أي: الذين أمرنا بإعطائهم إذا أعرضت عنهم لعوز فقل لهم قولا ليّنا ييسّر عليهم فقرهم.
والرحمة: الرزق.
{مَحْسُورًا}: منقطعا به، أو ذا حسرة، أو مكشوفا، من حسرت الذراع.
{خِطْأً}: يجوز اسما كالإثم، ومصدرا كالحذر.
قال أبو زرعة في حجة القراءات: 401: وهو مصدر لخطى الرجل يخطأ خطئا.
ووجه الطبري لقراءة الكسر وجهين فقال: أحدهما: أن يكون اسما من قول القائل: خطئت فأنا أخطأ، بمعنى: أذنبت وأثمت.
ويحكى عن العرب: خطئت: إذا أذنبت عمدا، وأخطأت: إذا وقع منك الذنب خطأ على غير عمد منك له.
والثاني: أن يكون بمعنى خطأ بفتح الخاء والطاء، ثم كسرت الخاء وسكنت الطاء، كما قيل: قتب وقتب، وحذر وحذر، ونجس ونجس، والخطء بالكسر اسم، والخطأ بفتح الخاء والطاء مصدر من قولهم: خطيء الرجل، وقد يكون اسما من قولهم: أخطأ، فأما المصدر منه ف الإخطاء اهـ.
راجع تفسيره: 15/ 79، والسبعة لابن مجاهد: 379، والتبصرة لمكي: 224، والمحرر الوجيز: 9/ 67.
{وَلا تَقْفُ}: لا تتبع، من قفوت أثره.
إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا: أي: عن الإنسان لأنها الأشهاد يوم القيامة، أو كان الإنسان عن ذلك مسؤولا لأنّ الطاعة والمعصية بها.
{كان سيئه عند ربك مكروها}: أراد بالسيئة: الذنب.
أو مَكْرُوهًا بدل عن السّيئة وليس بوصف، وأمّا سَيِّئُهُ بالإضافة فلأنّه تقدّم أوامر ونواهي فما كان في كلّ المذكور من سيئ كان عند اللّه مكروها/، فيعلم به أنّ ما كان من حسن كان مرضيّا.
{أَفَأَصْفاكُمْ}: أخلص لكم البنين فاختصكم بالأجلّ.
{وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ}: صرّفنا القول فيه على وجوه من أمر ونهي، ووعد ووعيد، وتسلية وتحسير وتزكية وتقريع وقصص وأحكام وتوحيد وصفات وحكم وآيات.
وَما يَزِيدُهُمْ: أي: هذه المعاني، إِلَّا نُفُورًا إلّا اعتقادهم الشبه.
{لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا}: إلى ما يقرّبهم إليه لعظمته عندهم.
{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ}: أي: من جهة خلقته، أو في معنى صفته وهي حاجته بحدوثه إلى صانع أحدثه.
{حِجابًا مَسْتُورًا}: ساترا لهم عن إدراكه، ك مشؤوم وميمون في معنى شائم ويا من لأنّه من شامهم ويمنهم.
وقيل: مستورا عن أبصار النّاس.
{نُفُورًا}: جمع نافر.
{وَإِذْ هُمْ نَجْوى}: اسم للمصدر، أي: ذوو نجوى يتناجون.
{قُلْ كُونُوا حِجارَةً}: أي: استشعروا أنكم منها فإنّه يعيدكم، إذ القدرة التي بها أنشأكم هي التي بها يعيدكم.
{فَسَيُنْغِضُونَ}: يحرّكون، وهو تحريك المستبطئ للشيء والمبطل له المستهزئ به.
{فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ}: أي: بأمره، وقيل: تستجيبون حامدين.
{إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا}: أي: في الدنيا بالقياس إلى الآخرة.
{وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ}: أي: علمه وقدرته فيعصمك منهم.
{إِلَّا فِتْنَةً}: ابتلاء بمن كفر به، فإنّ قوما أنكروا المعراج فارتدوا.
{وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ} أي: وما جعلنا الشجرة الملعونة {في القرآن} إلّا فتنة، إذ قال أبو جهل: هل رأيتم الشّجر ينبت في النّار.
وقيل: الشجرة الملعونة بنو أميّة فإنّهم الذين بدلوا وبغوا.
والأثر الذي أخرجه الطبري في تفسيره: 15/ 112 عن سهل بن سعد قال: رأى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بني فلان ينزون على منبره نزو القرود، فساءه ذلك، فما استجمع ضاحكا حتى مات قال: وأنزل اللّه في ذلك: {وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ}.. الآية.
وضعف ابن كثير إسناده فقال: وهذا السند ضعيف جدا، فإن محمد بن الحسن بن زبالة متروك، وشيخه أيضا ضعيف بالكلية، ولهذا اختار ابن جرير أن المراد بذلك ليلة الإسراء، وأن الشجرة الملعونة هي شجرة الزقوم، قال: لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك، أي: في الرؤيا والشجرة. اهـ.
والرؤيا: ما رآه النبي عليه السلام من نزوهم على منبره.
{أَرَأَيْتَكَ}: معناه أخبر، والكاف للخطاب ولا موضع لها، لأنّها للتوكيد، والجواب محذوف، وهذَا منصوب بـ أرأيت، أي: أخبرني عن هذا الذي كرّمته عليّ لم كرّمته؟.
{لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ} لأستولينّ عليهم وأستأصلنّهم كما يحتنك [55/ ب الجراد الزّرع.
{وَاسْتَفْزِزْ}: استخفّ، أو استزل بصوتك بدعائك إلى المعاصي.
وقيل: إنه الغناء بالأوتار والمزامير.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 312 وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور، وابن أبي الدنيا في ذم الملاهي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد رحمه اللّه تعالى.
وعقّب الطبري على هذه الأقوال بقوله: وأولى الأقوال في ذلك بالصحة أن يقال: إن اللّه تبارك وتعالى قال لإبليس: واستفزز من ذرية آدم من استطعت أن تستفزه بصوتك، ولم يخصص من ذلك صوتا دون صوت، فكل صوت كان دعاء إليه وإلى عمله وطاعته، وخلافا للدعاء إلى طاعة اللّه، فهو داخل في معنى صوته الذي قال اللّه تبارك وتعالى اسمه له: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} اهـ.
{وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ} أجمع عليهم، {بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} بكل راكب وماش في الضلالة، {وَشارِكْهُمْ} فِي الْأَمْوالِ: ما يكسبونه من حرام وينفقونه في معصية، {وَالْأَوْلادِ} إذا ولدوهم بالزنا، أو عوّدوهم الضلالة والبطالة.
{ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ}: بطل، كقوله: أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ، أو غاب كقوله: {أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ}.
الحاصب: الحجارة الصغار، وقيل: الريح التي ترمى بالحصباء، كما سمّي الجمار بالمحصّب لرمي الحصباء بها، وحصب في الأرض: ذهب فيها.
والقاصف: الريح التي تقصف الشّجر.